الاثنين، 3 مارس 2014
السبت، 1 مارس 2014
نجيب سرور
نجيب سرور .. مأساة العقل
فى اواخر ديسمبر 1978، و كان نجيب سرور قد فارق الحياة منذ بضعة اشهر، وصلنى آخر دواوينه(رباعيات نجيب سرور) مرسلا الى مع رسول من القاهرة .
وحينما قرأت كلمات الاهداء : "إلى ولدى و أخى و عزيزى أبو بكر يوسف.. نبضات من حبنا المشترك لمصر" داهمنى احساس طاغ بأنها رسالة بعث بها نجيب الى من العالم الآخر، حيث استقرت أخيرا روحه الحائرة المعذبة! كان الاحساس واقعيا الى درجة ارعبتنى. و لم استطع التخلص من وطأته الا بعد تحامل على النفس أعادنى الى توازنى الذى كدت افقده... و انهالت الذكريات"
فى عام 1959، و كنا مجموعة صغيرة السن من مبعوثى "الجمهورية العربية المتحدة" ندرس فى كلية الآداب بجامعة موسكو، جاءنى زميلى السورى عدنان جاموس،و كان انضجنا خبرة و اكثرنا معرفة بشؤون الحياة و الأدب ، بعدد من مجلة "الآداب" البيروتية قائلا: هل قرأت هذه القصيدة؟ و للصراحة فقد كنت أرى هذه المجلة لأول مرة، إذ غادرت مصر الى موسكوعام 1958 بعد ان انهيت الدراسة الثانوية لتوى، و عمرى 18 سنة، و كانت قراءاتى خارج المنهج الدراسى لا تكاد تحيط بما يصدر من روايات و قصص، فلم يبقى للمجلات الأدبية وقت أو نقود. كانت القصيدة بعنوان "التراجيديا الانسانية" لشاعر لم اسمع عنه من قبل هو: نجيب سرور. و كان مطلعها لافتا و جاذبا:
كانوا قالوا: إن الحب يطيل العمر ..
حقا، حقا.. ان الحب يطيل العمر!
حين نحس كأن العالم باقة زهر،
حين نرق كبسمة فجر،
حين نشف كما لو كنا من بلور،
حين نقول كلاما مثل الشعر،
حين يدق القلب كما عصفور،
يوشك يهجر قفص الصدر،
كى ينطلق يعانق كل الناس...
كانت قصيدة مختلفة عن كل ما قرأت حتى ذلك الحين، و اثارت فى نفسى العديد من الأسئلة..سألت صديقى عن هذا الشاعر فقال انه مصرى، و هو هنا فى موسكو، فأبديت تشوقا للتعرف به. فوعدنى عدنان الغامض -الذى بدا لى آنذاك لغزا لا يفصح إلا عن قليل مما يعرف- بأخذى معه الى نجيب سرور فى المدينة الجامعية الالجديدة لجامعة موسكو على تلال لينين، و كنا نحن نسكن فى المدينة الجامعية القديمة على اطراف موسكو.. فى نفس المبنى الذى كان يسكن فيه قبلنا ببضع سنوات ميخائيل جورباتشوف عندما كان طالبا فى الجامعة.
استقبلنا نجيب سرور بابتسامة عريضة كشفت عن فجوة وسط اسنانه العليا (علامة الشبق!)و كان حاجباه معقودين بتقطيبة طبيعية، و عيناه الضيقتان، الشديدتا الذكاء و المكر، تشعان بالمرح و الثقة بالنفس، و تنقل اليك احساسا بأن صاحبهما ينظر الى ما حوله و ما حوله نظرة فيها كثير من السخرية و المرارة الدفينة.و كان ثمة تناقض هائل بين هذا الوجه البشوش الممتلىء و الضاحك,و هاتين العينين بنظرتهما الثاقبةو الساخرة.
لفتت نظرى فى ذلك اللقاء تفصيلة خارجية .فقد كان الحاكى يعمل طوال جلستنا، و نجيب يغير الاسطوانة بين الحين و الحين،و كانت كلها موسيقى كلاسيكية لموسيقيين لم اكن سمعت حتى بأسمائهم. و كنا قد تعودنا منذ صغرنا ان نسرع بإغلاق المذياع أو تحويل المحطة ما ان يعلن المذيع عن فاصل من الموسيقى الكلاسكية التى لم نكن نفهمها بنغماتها المشوشة التى لا تسير على ايقاع واحد بل تزعج آذاننا الشرقية بهذا التخبط بين الانغام صعودا و هبوطا, طولا و قصرا,و نحن نبحث فيها عبثا عن مستقر للايقاع المطرد المطرب! و أسارع فأقول اننى مدين لنجيب سرور بتعرفى على الموسيقى الكلاسيكية الروسية و الغربية و تذوقى لها. فمنذ ذلك اليوم طال وجوده فى موسكو, كان نجيب يعلمنى كيف أتذوق اللحن الغربى و يشرح لى مواضيع السمفونيات، و يلفت انتباهى الى هذه النغمة أو تلك. و الى خصائص الأسلوب الموسيقى لهذاالموسيقار أو ذاك. كان يفعل ذلك بتلقائية و حماسة و حب غير مصطنع للموسيقى جعلنى لا اشعر بأننى تلميذ فى حضرة معلم.و عندما سألته عن سبب تعلقه بالموسيقى الكلاسيكية قال إن المخرج -و كان نجيب سرور قد جاء فى بعثة حكومية لدراسة فن الاخراج المسرحى- ينبغى ان يكون. على اطلاع واسع بكافة الوان الثقافة و الفنون, لأن المسرح هو مجمع الفنون, و الجهل او قلة الدراية بأى لون منها يؤثر سلبا على قدرات المخرج الابداعية و على مستوى حرفيته.
و منذ أن تعرفت بنجيب سرور أحست بأننى مشدود بهذه الشخصية الفذة كقطعة حديد الى مغناطيس قوى. كان فارق السن بيننا غير كبير, إذ كنت فى العشرين, و كان هو فى اواخر العشرينيات,و لكن الفارق فيما عدا ذلك كان هائلا.
كان نجيب- بالنسبة الى على الأقل-كنزا لا يفنى من المعرفة, و شخصية متعددة المواهب الى درجة خارقة. فقد كان ممثلا, و شاعرا, و مخرجا, و ناقدا, و كاتبا.و كانت معرفته بالأدب العربى و الغربى واسعة. و لكثرة ما لاحظت فى اشعاره من استشهادات بالتاريخ و الأساطير المسيحية ظننته فن بداية تعارفنا مسيحيا, خاصة و ان الاسم (نجيب سرور) أقرب الى الاسماء المسيحية فى مصر. و تحرجت أن اسأله, و لكنه ملأأمامى ذات مرة استمارة إقامة فرأيت جواز سفره, و كان اسمه فيها: محمد نجيب محمد سرور هجرس! و فيما بعد لمست كيف كان يستلهم فى اشعاره التاريخ و الأساطير الفرعونية و الاغريقية و الشعبية المصرية و الفلكلورية العربية, إذ كانت الروافد الثقافية المختلفة تمثل لدى نجيب نهرا انسانيا عريضا يغترف من كيف يشاء . أما الانتماء الدينى فكان مسألة تركها وراء ظهره!
و كان نجيب شخصية معقدة, و لكنها فى غاية الغنى و العمق, منطلقة و مرحة الى اقصى حد. كان لا يكف عن القاء النكت و القفشات الفورية، بنت الساعة. و حتى فى ذروة الجد و احتدام النقاش تفلت رغما عنه, فينفجر الحاضرون بالضحك, و ينفرط عقد التزمت و الجدية.
و لم يفلح نجيب تعلم اللغة الروسية حسب القواعد, فكان يخلط خلطا شديدا بين حالات الاعراب الست فى اللغة الروسية, حتى اشاع انه اخترع حالة جديدة, سابعة, للاعراب, هى الحالة التى يتكلم بها! و لكنه كان دائم القراءة باللغة الروسية و دؤوبا -كتلميذ- فى استخراج معانى الكلمات الجديدة من القواميس, و كأنما كان ييريد أن يسبق الزمن ليطلع على الأدب الروسى بلغته الاصلية. و عندما يعجبه كتاب, سواء فى الادب أم فى الفلسفة أم فى التاريخ .. كان ينكب عليه و ينقطع له, فلا ينام احيانا عدة ايام و لا يأكل الا لماما,و لكنه لا يكف عن تناول الشاى و القهوة.و يظل فى هذه الحمأة, و هذا التوتر الذهنى و العصبى حتى يفرغ من قراءة الكتاب المكتوب بلغة لا يكاد يعرفها!
و تلك كانت احدى خصال نجيب سرور التى عرفتها فيه فيما بعد.
و كان نجيب سرور لا يكتب الشعر كثيرا. قصيدتين أو ثلاثة فى السنه.. و لكنه كان يعانى مخاض القصيدة بالأسابيع.. يكتب و يشطب و يمزق, و يشرد كثيرا, يدندن لنفسه بإيقاعات ما, و احيانا يصبح غير قادر على تحمل هذه الحالة النفسية وحده, فيبوح لى بمطلع القصيدة أو ببضعة أبيات منها,و كأنما ينفس عن زفرة جاش بها صدره.
و لم يكن لنجيب سرور مثيل فى القاء الشعر..و شعره خاصة.و قد اجتمعت له ملكة الصوت الجهير العميق, المتوسط النبرة ما بين "الباص" و "التينور" مع القدرة على التحكم بمخارج الالفاظ التى اكتسبها عن دراسة فى المعهد العالى للفنون المسرحية بالقاهرة. و لم يكن يقرأ الشعر بل يمثله, مؤديا بصوته أدوار الشخصيات المختلفة إذا كانت القصيدة درامية, أو مختلف العواطف, اذا كانت القصيدة وجدانية. و حتى الأبيات العادية, التى ما كانت تحرك فيك أحاسيس قوية لو قرأتها بنفسك, كانت تنبض بالمشاعر الجياشة فى القاء نجيب سرور و بصوته المتفرد , و تهزك الى الاعماق. و قد عرفت شعراء عاديين لا يجيدون القاء شعرهم فيضيعون الكثير من جماله و يهدمون بصوتهم ما بنته قريحتهم...
كنا نلتقى ثلاثتنا -نجيب و عدنان و أنا- فى مقهى من مقاهى موسكو, حيث يختلف الجو عن مثيله فى المقاهى الشرقية.فالمكان هنا مغلق دائما بسبب الجوالبارد
و هو اقرب الى المطعم منه الى مقهى المشروبات الشرقي, و الرواد يأتون ليأكلوا و يشربوا و يرقصوا. أما نحن فكنا نختار طاولة فى احد الأركان, و ننفصل بها عن كل ما كان يحيط بنا من صخب الموسيقى و ضجة الأطباق و الملاعق, و شهقات الثمالى, و نظرات الشقراوات الداعية, و دقات احذية الراقصين المدوية. كان نجيب يقرألنا من اشعاره, و نحن نصغى اليه فاغرى الأفواه, و عندما يلقى قصيدة حزينة كقصيدة"أبى" (والد نجيب) الذى ضربه الاقطاعى امام ابنه(نجيب) كان صوته يتهدج, و تنساب الدموع على خديه, و ما ان ينهى القصيدة حتى نهب لعناقه و تقبيله و مواساته، و الدموع تسيل على خدودنا أيضا!...
و كنا لا نغادر المكان الا بعد انفضاض جميع الرواد و جميع الكراسى و المفارش, و تقريبا بعد طردنا طردا و اطفاء اضواء الصالة, بينما نحن مندمجين مع اشعار نجيب سرور, غير عابئين بما يفعله خدم المقهىلإجبارنا على الانصراف. و فى ليالى الصيف القصيرة فى موسكو, إذ يحل الفجر فى الثانية صباحا و تشرق الشمس فى الرابعة, كنا نمضى متسكعين فى شوارع موسكو النظيفة و الخالية, و خاصة فى وسط المدينة و نجيب يواصل القاء اشعاره تحت تماثيل الشاعرين بوشكين و ماياكوفسكى و الأمير يورى دولجاروكى مؤسس موسكو.و نظل نضرب فى الشوارع حتى الساعة السادسة, موعد افتتاح محطات المترو, لنستقله فى اتجاهين متعاكسين: هو الى المدينة الجامعية الجديدة, و عدنان و انا الى المدينة القديمة...
و سرعان ما اصبحت راوى اشعار نجيب سرور فى مجموعة الدارسين المصريين و السوريين فى موسكو. و رحت اقلده فى طريقة القائه المتميزة, و نجحت فى ذلك الى حد ما فقد لاحظت ان السامعين لا يعجبون بالأشعار فحسب, بل و بطريقة القائى لها.و شيئا فشيئا تجمعت حول نجيب سرور مجموعة من الطلبة الشباب المصرين و السوريين, فانتعش و ارتفعت معنوياته, و بدأيخرج من عزلته التى كان قد ضربها على نفسه عند مجيئه لموسكو, لاقتناعه-كما قال لىفيما بعد- بأن المبعوثين المصريين آنذاك(1959)كانوا منتقين بعناية من اجهزة المباحث بحيث لا يفلت منهم تقدمى واحد. أما هو فأفلت بأعجوبةلأنه وصل الى موسكو فى قمة الحملة المعادية للشيوعية فى "الجمهورية العربية المتحدة", و هى حملة صاحبت اقامة الوحدة بين مصر و سوريا و لعبت هذه الصدفة دورمأساويا فى حياة نجيب سرور فى موسكو.
فما ان افصح نجيب سرور عن انتمائه للفكر الماركسى, و اشاع انه كان عضوا بأحد التنظيمات الشيوعية فى مصر(جماعة حد تو) حتى وجد نفسه محاصرا بشكوك و ريب قوية من قادة التنظيمات الشيوعية العربية فى موسكو, و خاصة تنظيم الحزب الشيوعى السورى الذى كان يقوده فى موسكو احد اعضاء اللجنة المركزية لحزب اللاجئين الى الاتحاد السوفييتى. و كان مبعث الريبة هو: كيف يتمكن شخص يقول انه شيوعى من المجىء الى موسكو فى هذه الفترة بالذات, و يفلت من اجهزة المباحث المصرية التى كانت فى اوج عنفوانها, بل و فوق ذلك يأتى طالبا فى بعثة حكومية!
و فى محاولة منه لتبديد هذه الشكوك جنح نجيب الى التطرف، فلجأالى تشكيل مجموعة من "الديمقراطيين المصريين" لإصدار البيانات و اتخاذ المواقف المعادية للنظام الحاكم, و استغل ذات مرة فرصة انعقاد أحد المؤتمرات التضامنية مع الشعب الكوبى فى جامعة موسكو فقفز الى المنصة و استولى عليها , و اطلق بيانا ناريا ضد "النظام القمعى الديكتاتورى" فى مصر و سوريا.و بينما هدرت القاعة المملوءة عربا و اجانب بالتصفيق ظهر الحرج و الضيق على أوجه المسؤولينفى الجامعة, الذين وضعهم نجيب فى ورطة شديدة.و نجحوا اخيرا فى تنحيته عن المنصة و لكن بعد فوات الأوان! ففى اليوم التالى احتجت السفارة المصرية على جامعة موسكو, و فصل نجيب من البعثة(هو و ماهر عسل الذى ترجم له البيان و ألقاه بالروسية) و ألغى جوازا سفرهما, و طالبت السلطات المصرية المسؤولين السوفييت بترحيل نجيب سرور و ماهر عسل الى القاهرة فورا!
بهذه الحركة نجح نجيب فى كسب ثقة الشيوعيين العرب فى موسكو فدافعوا عن بقائه فيها و تكللت مساعيهم لدى السلطات السوفييتية بالنجاح فظل نجيب فى موسكو, و لكنه نقل الى مدينة جامعية اخرىحتى لا يحتك بالمبعوثين المصريين الهائجين ضده. و بمرور الوقت ادرك نجيب انه ارتكب حماقه,و لم يعد يدرى ماذا يفعل بهذه المجموعة الصغيرة التى التصقت به. و اعترف لنا صراحة بأنه لا يفقه شيئا فى السياسة, و انه لا يريد ان يلحق بنا الضرر, و لذلك قرر تركنا و الانصراف الى الدراسة, و نصحنا ان نحذو حذوه.
حتى ذلك الحين لم اكن قد ادركت مدى تعقد شخصية نجيب سرور فأزعجنى منه هذا السلوك الذى اعتبرته "غير رجولى", و لم استطع ان افهم سبب هذه الازمة التى داهمته فى الوقت الذى بدا و كأن اموره تسير الى الأفضل بعد تبدد سحب الشكوك فيه و انتصاره فى المواجهة مع السلطات المصرية و فشل الضغوط التى مورست ضده. و اخذ نجيب يبتعد عنا و يغرق فى الشرابو الديون. و فى هذه الفترة بدأيكتب قصيدة "العودة" التى اورد مقاطع منها فى ديوانه "لزوم ما يلزم" و هى قصيدة مغرقة فى اليأس و الضياع و الحنين الى الوطن:
"يا مصر يا وطنى الحبيب!
يا عش عصفور رمته الريح فى عش غريب,
يا مرفأى آت انا آت.. و لو
فى جسمى المهزول آلاف الجراح..
و كما ذهبت مع الرياح..
يوما اعود مع الرياح..
و متى تهب الريح؟ أو هبت..
فهل تأتى بما يهوى الشراع؟
ها انت تصبح فى الضياع..
فى اليأس.. شاة عاجزة..
ماذا لها ان سلت السكين غير المعجزة؟!.. "
و هجر نجيب سرور المسرح الذى كان يدرس فيه تحت اشراف المخرج الكبير نيكولاى اخلوبوكوف متعللا بأن اخلوبوكوف مخرج شكلى يهوى المؤثرات الصوتيه والضوئية و لا يغوص فى اعماق النص المسرحى. و قد شاهدت بالفعل مسرحية "هاملت" من اخراج اخلوبوكوف فأصم اسماعنا دوى الطبول فى اوركسترا المسرح, و أغشت ابصارنا الأضواء الباهرة التى كان يسلطها على الصالة. و مع ذلك لم يكن هذا هو السبب الحقيقى الذى نفر نجيب من دراسة المسرح, و انما كانت الأزمة الحادة التى أخذت تتفاعل فى اعماقه, و التى لم استطع -رغم كل ما بذلت من جهدآنذاك- أن ادرك أسبابها و بواعثها.كنت لا ارى غير ظاهرها:الاغراق فى الشراب, اليأس المطبق, الاحباط المطلق. كل ما استطعت ان ادركه هو ان اغراقه فى الشراب كان الوسيلة التى لم يجد سواها للهروب من ازمته. و ذات مرة سألته مستنكرا-و كنت اجالسه فى احد المطاعم- :
-لماذا يفرط فى الشراب الى هذا الحد،
-فأجاب: لكى انسى!
-قلت له: و ما الذى تريد ان تنساه؟
-فأجاب بروح دعابته الحاضرة دائما: و هل ترانى أذكر.!
فى اواخر فترة وجوده فى موسكو، حوالى عام 1963 بدأ نجيب يكثر من الحديث عن النفوذ الصهيونى فى الاتحاد السوفييتى. و استنكرنا منه ذلك بشدة,إذ كنا نعيش فى "عصر الأممية ", و لم نصدق ان الاتحاد السوفييتى العظيم يمكن ان يكون خاضعا للنفوذ الصهيونى، و اعتبرنا -انا و زملائى- أن نجيب يغالى كعادته، و خاصة فى ظل تفاقم ازمته الشخصية.و بعد ذلك بسنوات أدركت مدى صواب ما يقال عن عين الفنان التى ترى ما وراء الظاهر و تغوص الى اعماق الاشياء, و تكشف لنا ما لا نراهمثل عينى زرقاء اليمامة! و أنا لا اريد هنا ان اقول أن نجيب سرور كان محقا تماما آنذاك, و لكنه رأى بوادر الظاهرة التى لم تتكشف لنا الا فيما بعد.
ثم وقعت الحادثة التى وضعت نهاية لبقاء نجيب سرور فى موسكو...
كان يسامر احد الاصدقاء اليمنيين فحدثت مشاحنه بينه و بين أحد الرواد الذى ظنهما يهينانه. و تدخل رجال الشرطة و حاولوا اقتياده بلَى ذراعيه.و كان نجيب قوى البنية فتخلص منهم بقوة اعتبروها مقاومة, فاجتمعوا عليه و اقتادوه الى مبنى الشرطة حيث اوسعوه ضربا. و قال لى نجيب و هو يروى هذه الواقعة: لقد بكيت آنذاك ليس من الألم بل على انهيار المثال و احسست انه لا فرق بين شرطة مصرية و مباحث مصرية, فكلها اجهزة قمع, و انما نحن الذين صدقنا الاوهام عن "انسانية الاشتراكية" و كعادته "نظر" نجيب لهذا الحدث و اختزل فيه كل جوانب الظاهرة!
و سافر نجيب الى بودابست بدعوة من أحد اللاجئين السياسين المصريين هناك, حيث عمل فى القسم العربى بإذاعة بودابست, و التف حوله العرب و رحبوا به, و لكن سرعان ما عاودته ازمته التى لم يفلح تغيير المكان فى اطفاء جذوتها, و كان يتصل بى من هناك هاتفيا, مؤكدا على استفحال النفوذ الصهيونى لا فى القسم العربى فى الاذاعة فحسب بل و فى معظم اوجه الحياة السياسية و الثقافية و الاقتصادية فى المجر. و بالطبع أخذت ما قاله على محمل المبالغة المعهودة فيه...
و ذات مرة اتصل بى منن بودابست, و كان ذلك فى ربيع عام 1964, و طلب من عاملة البدالة أن تكون المكالمة على حسابى، فوافقت مستغربا, و عندما تم الاتصال أخبرنى انه طلب ذلك لأنه لا يملك ثمن المكالمة, و قال بصوت متهدج أفجعتنى نبرته المتهالكة إنه جائع و لم يأكل منذ ايام, و سيذهب غدا الى السفارة المصرية "ليسلم نفسه" (كما قال) لأنه لم يعد يحتمل الزيف المحيط به و يريد ان يعود الى مصر ليموت فيها, مثل سنوحى!
رجوته ان يهدأو لا يتسرع و سنحاول تدبير الأمر, و لكنه اصر قائلاانه لم يعد ثمة معنى للاستمرار فى لعبة الخداع, فالعالم كله لصوص و مخدوعون, و ما المذاهب الا أساليب يلجأ اليها اللصوص لتغطية سرقاتهم. و بهذه المناسبة فقد كتب نجيب سرور فى بودابست قصيدته الشهيرة "المسيح و اللصوص" حيث "اتهم" فيها المسيح بأنه السبب فى ظهور اللصوص الذين اخذوا يتاجرون باسمه, و باسمه يحكمون!
و حين يحاول "مسيح نجيب سرور" أن يرد على الشاعر بأنه سيعود ليصحح الأوضاع يجادله الشاعر:
-هل تصدقُ ما تقولٌ؟
-الأبُّ قال بأننى حتما أعودْ
مَلِكاً على أرض البشرْ
لتَسودَ فى الناس المسرةُ و السلامْ!
-لو عدتَ.. منذاَ يعرفُكْ؟
-سأقول: جئتُ انا المسيحْ!
-سيطالبونكَ بالدليلْ.
-ستكونُ فى جيبى البطاقةُ و الجوازْ.
-هذا قليل..
ما اسهلَ التزويرَ للأوراقِ فى عصرِ اللصوصْ.
و لديهمُ (الخبراءُ) سوف يؤكدونْ
أن الهويةَ زائفةْ!
-لكنْ عليها الختمُ..ختمُ الأبّْ..
-يا بئسَ الدليلْ!
سيؤكدُ الخبراءُ ان الختمَ برهانٌ على زيفِ الهوية!
-سأريهمُ هذى الثقوبْ..
فى جبهتى -انظرْ- و فى الكفينِ, فى الرجلين..
جئتُ أنا المسيحْ!
-سيقول لوقا: قالَ مرقصُ
إنَّ متََّى قال يوحنَّا يقولْ:
"فى البدء كانَ الأمرُ "إصلبْ
و الآن صار الصلب أوجَبْ!"
حتماً ستُصلبُ من جديد
همْ فى انتظاركَ-كلُّ اتباعِكَ، قطعانُ اللصوص-
همْ فى انتظاركَ بالصليبْ...
ماذا؟ أتبكى؟ كلُّ شىءٍ مضحكٌ حتى الدموعْ!
العصرُ يضحك من دموعك, من دموعى, عصرنا
عصرُ اللصوصْ,
بل أنتَ... حتى انت لصٌّ!
لو لم تكن ما كان فى الأرض اللصوصْ!
حتى أنا لصٌ.. ألم أخدع طويلا باللصوص؟!
و نقول بين قوسين إن الأديب المصرى الكبير يوسف ادريس كتب فى نفس الفترة تقريبا مسرحية "المخططين" التى تتصدى ايضا لظاهرة استيلاء "جماعة المنتفعين" على الحكم, و منع اى محاولة لتصحيح الأوضاع حتى لو كانت من صاحب الفكرة نفسها! و هذا دليل انتشار ظاهرة عدم الثقة فى الأنظمة الحاكمة آنذاك و التى كانت تتشدق بالشعارات الديماغوجية عن الحرية و الديموقراطية و الاشتراكية فى غيبة تامة لهذه المثل.
على ان نجيب سرور قد كتب فى نفس الفترة فى بودابست روايته الشعرية الرائعة "ياسين و بهية" التى حولها المخرج كرم مطاوع الى مسرحية قدمت على "مسرح الجيب" فى القاهرة عام 1965 بعد عودة نجيب سرور الى مصر. و تمثل هذه الرواية رؤية جديدة لقصة ياسين و بهية المعروفة فى الأدب الشعبى المصرى, إذ يجعل نجيب من بطلها مناضلا ضد الاقطاع و ثائرا على الظلم, و مضحيا بحياته فى سبيل تحرير الفلاحين، كاسبارتاكوس محرر العبيد. فكيف اجتمع فى نفس نجيب ذلك الضياع الخانق و اليأس المطلق مع هذا الايمان الحار بعدالة النضال من أجل الحرية و الثورة على الظلم و الاضطهاد؟ أهى اصداء مرارته القديمة من الاقطاع الذى أهان الوالد أمام ابنه الصغير؟.. أم هى روح الفلاح المصرى الكامنة فى اعماق نجيب سرور, و التى تتجاوز الايمان أو الكفر بالنظريات و المذاهب، لأن النظريات تقوم و تسقط, أما الارضية الفلاحية الضاربة فى عمق التاريخ المصرى لآلاف السنين, فتبقى هى الأساس الراسخ الذى ينفذ من اليأس و الضياع. و بالفعل فلو تجاوزنا عن الخط المتعرج و المتأزم لحياة نجيب سرور, فسنجد خطه الابداعى، ممثلا فى مسرحياته التالية ل"ياسين و بهية", "آه يا ليل يا قمر", قولوا لعين الشمس.." , هو خط نضال العامل المصرى و الجندى المصرى -بعد الفلاح فى ياسين و بهية- ضد الظلم الطبقى و الاستعمار الأجنبى. و لهذا فبوسعى أن اقول إن نجيب سرور, رغم كل شطحاته و تقلباته و ضياعه و أزماته, كان فنانا ملتزما بقضايا شعبه و وطنه على المستويين المصرى و العربى, حتى الرمق الأخير...
و كم مرة طرحت على نفسى هذا السؤال: ما السبب فى الأزمة التى لازمت نجيب سرور طوال حياته القصيرة و كانت السبب فى رحيله المبكر؟
فى البداية ظننته الاضطهاد.. و لكن نجيب عاد الى مصر فلم يتعرض للملاحقه و السجن.. و كنت اظنه الظلم و حرمانه من فرصة تحقيق مواهبه.. و لكنه نشر دواوينه و مسرحياته، و مثل على المسرح و فى التليفزيون، و أخرج للمسرح و أخرجت له مسرحياته.. ربما لم ينل كل ما كان يريد.. و لكنه لم يحرم تماما...
ثمة تفسير منطقى واحد لهذه الأزمة, لا أجد غيره..
إنه الصراع فى نفسية الشاعر بين الواقع المرفوض.. و المثال المستحيل..
انه مأساة العقل, الذى يحفر كالمثقاب فى طبقات الزبف و الأكاذيب ليصل الى الحقيقة, و لكنه للأسف يواصل الحفر حتى يخرج الى الجانب الآخر, محدثا ثغرة فى السد تتسع مع الزمن لتندفع منها المياه المخزونه مدمرة كل شىء!...
الفنان شمعة تحترق.. لتضىء لنا الدرب الى الحقيقة, و الخير, و الجمال...
و نجيب سرور فنان لم يدخر ضوءه, فاحترق سريعا كشهاب مرق فى سمائنا, و لكنه ترك فى نفسى, و فى نفوس الكثيرين غيرى, أثرا ساطعا لا ينسى.. لأنه أثر الموهبة المبدعة...
فى اواخر ديسمبر 1978، و كان نجيب سرور قد فارق الحياة منذ بضعة اشهر، وصلنى آخر دواوينه(رباعيات نجيب سرور) مرسلا الى مع رسول من القاهرة .
وحينما قرأت كلمات الاهداء : "إلى ولدى و أخى و عزيزى أبو بكر يوسف.. نبضات من حبنا المشترك لمصر" داهمنى احساس طاغ بأنها رسالة بعث بها نجيب الى من العالم الآخر، حيث استقرت أخيرا روحه الحائرة المعذبة! كان الاحساس واقعيا الى درجة ارعبتنى. و لم استطع التخلص من وطأته الا بعد تحامل على النفس أعادنى الى توازنى الذى كدت افقده... و انهالت الذكريات"
فى عام 1959، و كنا مجموعة صغيرة السن من مبعوثى "الجمهورية العربية المتحدة" ندرس فى كلية الآداب بجامعة موسكو، جاءنى زميلى السورى عدنان جاموس،و كان انضجنا خبرة و اكثرنا معرفة بشؤون الحياة و الأدب ، بعدد من مجلة "الآداب" البيروتية قائلا: هل قرأت هذه القصيدة؟ و للصراحة فقد كنت أرى هذه المجلة لأول مرة، إذ غادرت مصر الى موسكوعام 1958 بعد ان انهيت الدراسة الثانوية لتوى، و عمرى 18 سنة، و كانت قراءاتى خارج المنهج الدراسى لا تكاد تحيط بما يصدر من روايات و قصص، فلم يبقى للمجلات الأدبية وقت أو نقود. كانت القصيدة بعنوان "التراجيديا الانسانية" لشاعر لم اسمع عنه من قبل هو: نجيب سرور. و كان مطلعها لافتا و جاذبا:
كانوا قالوا: إن الحب يطيل العمر ..
حقا، حقا.. ان الحب يطيل العمر!
حين نحس كأن العالم باقة زهر،
حين نرق كبسمة فجر،
حين نشف كما لو كنا من بلور،
حين نقول كلاما مثل الشعر،
حين يدق القلب كما عصفور،
يوشك يهجر قفص الصدر،
كى ينطلق يعانق كل الناس...
كانت قصيدة مختلفة عن كل ما قرأت حتى ذلك الحين، و اثارت فى نفسى العديد من الأسئلة..سألت صديقى عن هذا الشاعر فقال انه مصرى، و هو هنا فى موسكو، فأبديت تشوقا للتعرف به. فوعدنى عدنان الغامض -الذى بدا لى آنذاك لغزا لا يفصح إلا عن قليل مما يعرف- بأخذى معه الى نجيب سرور فى المدينة الجامعية الالجديدة لجامعة موسكو على تلال لينين، و كنا نحن نسكن فى المدينة الجامعية القديمة على اطراف موسكو.. فى نفس المبنى الذى كان يسكن فيه قبلنا ببضع سنوات ميخائيل جورباتشوف عندما كان طالبا فى الجامعة.
استقبلنا نجيب سرور بابتسامة عريضة كشفت عن فجوة وسط اسنانه العليا (علامة الشبق!)و كان حاجباه معقودين بتقطيبة طبيعية، و عيناه الضيقتان، الشديدتا الذكاء و المكر، تشعان بالمرح و الثقة بالنفس، و تنقل اليك احساسا بأن صاحبهما ينظر الى ما حوله و ما حوله نظرة فيها كثير من السخرية و المرارة الدفينة.و كان ثمة تناقض هائل بين هذا الوجه البشوش الممتلىء و الضاحك,و هاتين العينين بنظرتهما الثاقبةو الساخرة.
لفتت نظرى فى ذلك اللقاء تفصيلة خارجية .فقد كان الحاكى يعمل طوال جلستنا، و نجيب يغير الاسطوانة بين الحين و الحين،و كانت كلها موسيقى كلاسيكية لموسيقيين لم اكن سمعت حتى بأسمائهم. و كنا قد تعودنا منذ صغرنا ان نسرع بإغلاق المذياع أو تحويل المحطة ما ان يعلن المذيع عن فاصل من الموسيقى الكلاسكية التى لم نكن نفهمها بنغماتها المشوشة التى لا تسير على ايقاع واحد بل تزعج آذاننا الشرقية بهذا التخبط بين الانغام صعودا و هبوطا, طولا و قصرا,و نحن نبحث فيها عبثا عن مستقر للايقاع المطرد المطرب! و أسارع فأقول اننى مدين لنجيب سرور بتعرفى على الموسيقى الكلاسيكية الروسية و الغربية و تذوقى لها. فمنذ ذلك اليوم طال وجوده فى موسكو, كان نجيب يعلمنى كيف أتذوق اللحن الغربى و يشرح لى مواضيع السمفونيات، و يلفت انتباهى الى هذه النغمة أو تلك. و الى خصائص الأسلوب الموسيقى لهذاالموسيقار أو ذاك. كان يفعل ذلك بتلقائية و حماسة و حب غير مصطنع للموسيقى جعلنى لا اشعر بأننى تلميذ فى حضرة معلم.و عندما سألته عن سبب تعلقه بالموسيقى الكلاسيكية قال إن المخرج -و كان نجيب سرور قد جاء فى بعثة حكومية لدراسة فن الاخراج المسرحى- ينبغى ان يكون. على اطلاع واسع بكافة الوان الثقافة و الفنون, لأن المسرح هو مجمع الفنون, و الجهل او قلة الدراية بأى لون منها يؤثر سلبا على قدرات المخرج الابداعية و على مستوى حرفيته.
و منذ أن تعرفت بنجيب سرور أحست بأننى مشدود بهذه الشخصية الفذة كقطعة حديد الى مغناطيس قوى. كان فارق السن بيننا غير كبير, إذ كنت فى العشرين, و كان هو فى اواخر العشرينيات,و لكن الفارق فيما عدا ذلك كان هائلا.
كان نجيب- بالنسبة الى على الأقل-كنزا لا يفنى من المعرفة, و شخصية متعددة المواهب الى درجة خارقة. فقد كان ممثلا, و شاعرا, و مخرجا, و ناقدا, و كاتبا.و كانت معرفته بالأدب العربى و الغربى واسعة. و لكثرة ما لاحظت فى اشعاره من استشهادات بالتاريخ و الأساطير المسيحية ظننته فن بداية تعارفنا مسيحيا, خاصة و ان الاسم (نجيب سرور) أقرب الى الاسماء المسيحية فى مصر. و تحرجت أن اسأله, و لكنه ملأأمامى ذات مرة استمارة إقامة فرأيت جواز سفره, و كان اسمه فيها: محمد نجيب محمد سرور هجرس! و فيما بعد لمست كيف كان يستلهم فى اشعاره التاريخ و الأساطير الفرعونية و الاغريقية و الشعبية المصرية و الفلكلورية العربية, إذ كانت الروافد الثقافية المختلفة تمثل لدى نجيب نهرا انسانيا عريضا يغترف من كيف يشاء . أما الانتماء الدينى فكان مسألة تركها وراء ظهره!
و كان نجيب شخصية معقدة, و لكنها فى غاية الغنى و العمق, منطلقة و مرحة الى اقصى حد. كان لا يكف عن القاء النكت و القفشات الفورية، بنت الساعة. و حتى فى ذروة الجد و احتدام النقاش تفلت رغما عنه, فينفجر الحاضرون بالضحك, و ينفرط عقد التزمت و الجدية.
و لم يفلح نجيب تعلم اللغة الروسية حسب القواعد, فكان يخلط خلطا شديدا بين حالات الاعراب الست فى اللغة الروسية, حتى اشاع انه اخترع حالة جديدة, سابعة, للاعراب, هى الحالة التى يتكلم بها! و لكنه كان دائم القراءة باللغة الروسية و دؤوبا -كتلميذ- فى استخراج معانى الكلمات الجديدة من القواميس, و كأنما كان ييريد أن يسبق الزمن ليطلع على الأدب الروسى بلغته الاصلية. و عندما يعجبه كتاب, سواء فى الادب أم فى الفلسفة أم فى التاريخ .. كان ينكب عليه و ينقطع له, فلا ينام احيانا عدة ايام و لا يأكل الا لماما,و لكنه لا يكف عن تناول الشاى و القهوة.و يظل فى هذه الحمأة, و هذا التوتر الذهنى و العصبى حتى يفرغ من قراءة الكتاب المكتوب بلغة لا يكاد يعرفها!
و تلك كانت احدى خصال نجيب سرور التى عرفتها فيه فيما بعد.
و كان نجيب سرور لا يكتب الشعر كثيرا. قصيدتين أو ثلاثة فى السنه.. و لكنه كان يعانى مخاض القصيدة بالأسابيع.. يكتب و يشطب و يمزق, و يشرد كثيرا, يدندن لنفسه بإيقاعات ما, و احيانا يصبح غير قادر على تحمل هذه الحالة النفسية وحده, فيبوح لى بمطلع القصيدة أو ببضعة أبيات منها,و كأنما ينفس عن زفرة جاش بها صدره.
و لم يكن لنجيب سرور مثيل فى القاء الشعر..و شعره خاصة.و قد اجتمعت له ملكة الصوت الجهير العميق, المتوسط النبرة ما بين "الباص" و "التينور" مع القدرة على التحكم بمخارج الالفاظ التى اكتسبها عن دراسة فى المعهد العالى للفنون المسرحية بالقاهرة. و لم يكن يقرأ الشعر بل يمثله, مؤديا بصوته أدوار الشخصيات المختلفة إذا كانت القصيدة درامية, أو مختلف العواطف, اذا كانت القصيدة وجدانية. و حتى الأبيات العادية, التى ما كانت تحرك فيك أحاسيس قوية لو قرأتها بنفسك, كانت تنبض بالمشاعر الجياشة فى القاء نجيب سرور و بصوته المتفرد , و تهزك الى الاعماق. و قد عرفت شعراء عاديين لا يجيدون القاء شعرهم فيضيعون الكثير من جماله و يهدمون بصوتهم ما بنته قريحتهم...
كنا نلتقى ثلاثتنا -نجيب و عدنان و أنا- فى مقهى من مقاهى موسكو, حيث يختلف الجو عن مثيله فى المقاهى الشرقية.فالمكان هنا مغلق دائما بسبب الجوالبارد
و هو اقرب الى المطعم منه الى مقهى المشروبات الشرقي, و الرواد يأتون ليأكلوا و يشربوا و يرقصوا. أما نحن فكنا نختار طاولة فى احد الأركان, و ننفصل بها عن كل ما كان يحيط بنا من صخب الموسيقى و ضجة الأطباق و الملاعق, و شهقات الثمالى, و نظرات الشقراوات الداعية, و دقات احذية الراقصين المدوية. كان نجيب يقرألنا من اشعاره, و نحن نصغى اليه فاغرى الأفواه, و عندما يلقى قصيدة حزينة كقصيدة"أبى" (والد نجيب) الذى ضربه الاقطاعى امام ابنه(نجيب) كان صوته يتهدج, و تنساب الدموع على خديه, و ما ان ينهى القصيدة حتى نهب لعناقه و تقبيله و مواساته، و الدموع تسيل على خدودنا أيضا!...
و كنا لا نغادر المكان الا بعد انفضاض جميع الرواد و جميع الكراسى و المفارش, و تقريبا بعد طردنا طردا و اطفاء اضواء الصالة, بينما نحن مندمجين مع اشعار نجيب سرور, غير عابئين بما يفعله خدم المقهىلإجبارنا على الانصراف. و فى ليالى الصيف القصيرة فى موسكو, إذ يحل الفجر فى الثانية صباحا و تشرق الشمس فى الرابعة, كنا نمضى متسكعين فى شوارع موسكو النظيفة و الخالية, و خاصة فى وسط المدينة و نجيب يواصل القاء اشعاره تحت تماثيل الشاعرين بوشكين و ماياكوفسكى و الأمير يورى دولجاروكى مؤسس موسكو.و نظل نضرب فى الشوارع حتى الساعة السادسة, موعد افتتاح محطات المترو, لنستقله فى اتجاهين متعاكسين: هو الى المدينة الجامعية الجديدة, و عدنان و انا الى المدينة القديمة...
و سرعان ما اصبحت راوى اشعار نجيب سرور فى مجموعة الدارسين المصريين و السوريين فى موسكو. و رحت اقلده فى طريقة القائه المتميزة, و نجحت فى ذلك الى حد ما فقد لاحظت ان السامعين لا يعجبون بالأشعار فحسب, بل و بطريقة القائى لها.و شيئا فشيئا تجمعت حول نجيب سرور مجموعة من الطلبة الشباب المصرين و السوريين, فانتعش و ارتفعت معنوياته, و بدأيخرج من عزلته التى كان قد ضربها على نفسه عند مجيئه لموسكو, لاقتناعه-كما قال لىفيما بعد- بأن المبعوثين المصريين آنذاك(1959)كانوا منتقين بعناية من اجهزة المباحث بحيث لا يفلت منهم تقدمى واحد. أما هو فأفلت بأعجوبةلأنه وصل الى موسكو فى قمة الحملة المعادية للشيوعية فى "الجمهورية العربية المتحدة", و هى حملة صاحبت اقامة الوحدة بين مصر و سوريا و لعبت هذه الصدفة دورمأساويا فى حياة نجيب سرور فى موسكو.
فما ان افصح نجيب سرور عن انتمائه للفكر الماركسى, و اشاع انه كان عضوا بأحد التنظيمات الشيوعية فى مصر(جماعة حد تو) حتى وجد نفسه محاصرا بشكوك و ريب قوية من قادة التنظيمات الشيوعية العربية فى موسكو, و خاصة تنظيم الحزب الشيوعى السورى الذى كان يقوده فى موسكو احد اعضاء اللجنة المركزية لحزب اللاجئين الى الاتحاد السوفييتى. و كان مبعث الريبة هو: كيف يتمكن شخص يقول انه شيوعى من المجىء الى موسكو فى هذه الفترة بالذات, و يفلت من اجهزة المباحث المصرية التى كانت فى اوج عنفوانها, بل و فوق ذلك يأتى طالبا فى بعثة حكومية!
و فى محاولة منه لتبديد هذه الشكوك جنح نجيب الى التطرف، فلجأالى تشكيل مجموعة من "الديمقراطيين المصريين" لإصدار البيانات و اتخاذ المواقف المعادية للنظام الحاكم, و استغل ذات مرة فرصة انعقاد أحد المؤتمرات التضامنية مع الشعب الكوبى فى جامعة موسكو فقفز الى المنصة و استولى عليها , و اطلق بيانا ناريا ضد "النظام القمعى الديكتاتورى" فى مصر و سوريا.و بينما هدرت القاعة المملوءة عربا و اجانب بالتصفيق ظهر الحرج و الضيق على أوجه المسؤولينفى الجامعة, الذين وضعهم نجيب فى ورطة شديدة.و نجحوا اخيرا فى تنحيته عن المنصة و لكن بعد فوات الأوان! ففى اليوم التالى احتجت السفارة المصرية على جامعة موسكو, و فصل نجيب من البعثة(هو و ماهر عسل الذى ترجم له البيان و ألقاه بالروسية) و ألغى جوازا سفرهما, و طالبت السلطات المصرية المسؤولين السوفييت بترحيل نجيب سرور و ماهر عسل الى القاهرة فورا!
بهذه الحركة نجح نجيب فى كسب ثقة الشيوعيين العرب فى موسكو فدافعوا عن بقائه فيها و تكللت مساعيهم لدى السلطات السوفييتية بالنجاح فظل نجيب فى موسكو, و لكنه نقل الى مدينة جامعية اخرىحتى لا يحتك بالمبعوثين المصريين الهائجين ضده. و بمرور الوقت ادرك نجيب انه ارتكب حماقه,و لم يعد يدرى ماذا يفعل بهذه المجموعة الصغيرة التى التصقت به. و اعترف لنا صراحة بأنه لا يفقه شيئا فى السياسة, و انه لا يريد ان يلحق بنا الضرر, و لذلك قرر تركنا و الانصراف الى الدراسة, و نصحنا ان نحذو حذوه.
حتى ذلك الحين لم اكن قد ادركت مدى تعقد شخصية نجيب سرور فأزعجنى منه هذا السلوك الذى اعتبرته "غير رجولى", و لم استطع ان افهم سبب هذه الازمة التى داهمته فى الوقت الذى بدا و كأن اموره تسير الى الأفضل بعد تبدد سحب الشكوك فيه و انتصاره فى المواجهة مع السلطات المصرية و فشل الضغوط التى مورست ضده. و اخذ نجيب يبتعد عنا و يغرق فى الشرابو الديون. و فى هذه الفترة بدأيكتب قصيدة "العودة" التى اورد مقاطع منها فى ديوانه "لزوم ما يلزم" و هى قصيدة مغرقة فى اليأس و الضياع و الحنين الى الوطن:
"يا مصر يا وطنى الحبيب!
يا عش عصفور رمته الريح فى عش غريب,
يا مرفأى آت انا آت.. و لو
فى جسمى المهزول آلاف الجراح..
و كما ذهبت مع الرياح..
يوما اعود مع الرياح..
و متى تهب الريح؟ أو هبت..
فهل تأتى بما يهوى الشراع؟
ها انت تصبح فى الضياع..
فى اليأس.. شاة عاجزة..
ماذا لها ان سلت السكين غير المعجزة؟!.. "
و هجر نجيب سرور المسرح الذى كان يدرس فيه تحت اشراف المخرج الكبير نيكولاى اخلوبوكوف متعللا بأن اخلوبوكوف مخرج شكلى يهوى المؤثرات الصوتيه والضوئية و لا يغوص فى اعماق النص المسرحى. و قد شاهدت بالفعل مسرحية "هاملت" من اخراج اخلوبوكوف فأصم اسماعنا دوى الطبول فى اوركسترا المسرح, و أغشت ابصارنا الأضواء الباهرة التى كان يسلطها على الصالة. و مع ذلك لم يكن هذا هو السبب الحقيقى الذى نفر نجيب من دراسة المسرح, و انما كانت الأزمة الحادة التى أخذت تتفاعل فى اعماقه, و التى لم استطع -رغم كل ما بذلت من جهدآنذاك- أن ادرك أسبابها و بواعثها.كنت لا ارى غير ظاهرها:الاغراق فى الشراب, اليأس المطبق, الاحباط المطلق. كل ما استطعت ان ادركه هو ان اغراقه فى الشراب كان الوسيلة التى لم يجد سواها للهروب من ازمته. و ذات مرة سألته مستنكرا-و كنت اجالسه فى احد المطاعم- :
-لماذا يفرط فى الشراب الى هذا الحد،
-فأجاب: لكى انسى!
-قلت له: و ما الذى تريد ان تنساه؟
-فأجاب بروح دعابته الحاضرة دائما: و هل ترانى أذكر.!
فى اواخر فترة وجوده فى موسكو، حوالى عام 1963 بدأ نجيب يكثر من الحديث عن النفوذ الصهيونى فى الاتحاد السوفييتى. و استنكرنا منه ذلك بشدة,إذ كنا نعيش فى "عصر الأممية ", و لم نصدق ان الاتحاد السوفييتى العظيم يمكن ان يكون خاضعا للنفوذ الصهيونى، و اعتبرنا -انا و زملائى- أن نجيب يغالى كعادته، و خاصة فى ظل تفاقم ازمته الشخصية.و بعد ذلك بسنوات أدركت مدى صواب ما يقال عن عين الفنان التى ترى ما وراء الظاهر و تغوص الى اعماق الاشياء, و تكشف لنا ما لا نراهمثل عينى زرقاء اليمامة! و أنا لا اريد هنا ان اقول أن نجيب سرور كان محقا تماما آنذاك, و لكنه رأى بوادر الظاهرة التى لم تتكشف لنا الا فيما بعد.
ثم وقعت الحادثة التى وضعت نهاية لبقاء نجيب سرور فى موسكو...
كان يسامر احد الاصدقاء اليمنيين فحدثت مشاحنه بينه و بين أحد الرواد الذى ظنهما يهينانه. و تدخل رجال الشرطة و حاولوا اقتياده بلَى ذراعيه.و كان نجيب قوى البنية فتخلص منهم بقوة اعتبروها مقاومة, فاجتمعوا عليه و اقتادوه الى مبنى الشرطة حيث اوسعوه ضربا. و قال لى نجيب و هو يروى هذه الواقعة: لقد بكيت آنذاك ليس من الألم بل على انهيار المثال و احسست انه لا فرق بين شرطة مصرية و مباحث مصرية, فكلها اجهزة قمع, و انما نحن الذين صدقنا الاوهام عن "انسانية الاشتراكية" و كعادته "نظر" نجيب لهذا الحدث و اختزل فيه كل جوانب الظاهرة!
و سافر نجيب الى بودابست بدعوة من أحد اللاجئين السياسين المصريين هناك, حيث عمل فى القسم العربى بإذاعة بودابست, و التف حوله العرب و رحبوا به, و لكن سرعان ما عاودته ازمته التى لم يفلح تغيير المكان فى اطفاء جذوتها, و كان يتصل بى من هناك هاتفيا, مؤكدا على استفحال النفوذ الصهيونى لا فى القسم العربى فى الاذاعة فحسب بل و فى معظم اوجه الحياة السياسية و الثقافية و الاقتصادية فى المجر. و بالطبع أخذت ما قاله على محمل المبالغة المعهودة فيه...
و ذات مرة اتصل بى منن بودابست, و كان ذلك فى ربيع عام 1964, و طلب من عاملة البدالة أن تكون المكالمة على حسابى، فوافقت مستغربا, و عندما تم الاتصال أخبرنى انه طلب ذلك لأنه لا يملك ثمن المكالمة, و قال بصوت متهدج أفجعتنى نبرته المتهالكة إنه جائع و لم يأكل منذ ايام, و سيذهب غدا الى السفارة المصرية "ليسلم نفسه" (كما قال) لأنه لم يعد يحتمل الزيف المحيط به و يريد ان يعود الى مصر ليموت فيها, مثل سنوحى!
رجوته ان يهدأو لا يتسرع و سنحاول تدبير الأمر, و لكنه اصر قائلاانه لم يعد ثمة معنى للاستمرار فى لعبة الخداع, فالعالم كله لصوص و مخدوعون, و ما المذاهب الا أساليب يلجأ اليها اللصوص لتغطية سرقاتهم. و بهذه المناسبة فقد كتب نجيب سرور فى بودابست قصيدته الشهيرة "المسيح و اللصوص" حيث "اتهم" فيها المسيح بأنه السبب فى ظهور اللصوص الذين اخذوا يتاجرون باسمه, و باسمه يحكمون!
و حين يحاول "مسيح نجيب سرور" أن يرد على الشاعر بأنه سيعود ليصحح الأوضاع يجادله الشاعر:
-هل تصدقُ ما تقولٌ؟
-الأبُّ قال بأننى حتما أعودْ
مَلِكاً على أرض البشرْ
لتَسودَ فى الناس المسرةُ و السلامْ!
-لو عدتَ.. منذاَ يعرفُكْ؟
-سأقول: جئتُ انا المسيحْ!
-سيطالبونكَ بالدليلْ.
-ستكونُ فى جيبى البطاقةُ و الجوازْ.
-هذا قليل..
ما اسهلَ التزويرَ للأوراقِ فى عصرِ اللصوصْ.
و لديهمُ (الخبراءُ) سوف يؤكدونْ
أن الهويةَ زائفةْ!
-لكنْ عليها الختمُ..ختمُ الأبّْ..
-يا بئسَ الدليلْ!
سيؤكدُ الخبراءُ ان الختمَ برهانٌ على زيفِ الهوية!
-سأريهمُ هذى الثقوبْ..
فى جبهتى -انظرْ- و فى الكفينِ, فى الرجلين..
جئتُ أنا المسيحْ!
-سيقول لوقا: قالَ مرقصُ
إنَّ متََّى قال يوحنَّا يقولْ:
"فى البدء كانَ الأمرُ "إصلبْ
و الآن صار الصلب أوجَبْ!"
حتماً ستُصلبُ من جديد
همْ فى انتظاركَ-كلُّ اتباعِكَ، قطعانُ اللصوص-
همْ فى انتظاركَ بالصليبْ...
ماذا؟ أتبكى؟ كلُّ شىءٍ مضحكٌ حتى الدموعْ!
العصرُ يضحك من دموعك, من دموعى, عصرنا
عصرُ اللصوصْ,
بل أنتَ... حتى انت لصٌّ!
لو لم تكن ما كان فى الأرض اللصوصْ!
حتى أنا لصٌ.. ألم أخدع طويلا باللصوص؟!
و نقول بين قوسين إن الأديب المصرى الكبير يوسف ادريس كتب فى نفس الفترة تقريبا مسرحية "المخططين" التى تتصدى ايضا لظاهرة استيلاء "جماعة المنتفعين" على الحكم, و منع اى محاولة لتصحيح الأوضاع حتى لو كانت من صاحب الفكرة نفسها! و هذا دليل انتشار ظاهرة عدم الثقة فى الأنظمة الحاكمة آنذاك و التى كانت تتشدق بالشعارات الديماغوجية عن الحرية و الديموقراطية و الاشتراكية فى غيبة تامة لهذه المثل.
على ان نجيب سرور قد كتب فى نفس الفترة فى بودابست روايته الشعرية الرائعة "ياسين و بهية" التى حولها المخرج كرم مطاوع الى مسرحية قدمت على "مسرح الجيب" فى القاهرة عام 1965 بعد عودة نجيب سرور الى مصر. و تمثل هذه الرواية رؤية جديدة لقصة ياسين و بهية المعروفة فى الأدب الشعبى المصرى, إذ يجعل نجيب من بطلها مناضلا ضد الاقطاع و ثائرا على الظلم, و مضحيا بحياته فى سبيل تحرير الفلاحين، كاسبارتاكوس محرر العبيد. فكيف اجتمع فى نفس نجيب ذلك الضياع الخانق و اليأس المطلق مع هذا الايمان الحار بعدالة النضال من أجل الحرية و الثورة على الظلم و الاضطهاد؟ أهى اصداء مرارته القديمة من الاقطاع الذى أهان الوالد أمام ابنه الصغير؟.. أم هى روح الفلاح المصرى الكامنة فى اعماق نجيب سرور, و التى تتجاوز الايمان أو الكفر بالنظريات و المذاهب، لأن النظريات تقوم و تسقط, أما الارضية الفلاحية الضاربة فى عمق التاريخ المصرى لآلاف السنين, فتبقى هى الأساس الراسخ الذى ينفذ من اليأس و الضياع. و بالفعل فلو تجاوزنا عن الخط المتعرج و المتأزم لحياة نجيب سرور, فسنجد خطه الابداعى، ممثلا فى مسرحياته التالية ل"ياسين و بهية", "آه يا ليل يا قمر", قولوا لعين الشمس.." , هو خط نضال العامل المصرى و الجندى المصرى -بعد الفلاح فى ياسين و بهية- ضد الظلم الطبقى و الاستعمار الأجنبى. و لهذا فبوسعى أن اقول إن نجيب سرور, رغم كل شطحاته و تقلباته و ضياعه و أزماته, كان فنانا ملتزما بقضايا شعبه و وطنه على المستويين المصرى و العربى, حتى الرمق الأخير...
و كم مرة طرحت على نفسى هذا السؤال: ما السبب فى الأزمة التى لازمت نجيب سرور طوال حياته القصيرة و كانت السبب فى رحيله المبكر؟
فى البداية ظننته الاضطهاد.. و لكن نجيب عاد الى مصر فلم يتعرض للملاحقه و السجن.. و كنت اظنه الظلم و حرمانه من فرصة تحقيق مواهبه.. و لكنه نشر دواوينه و مسرحياته، و مثل على المسرح و فى التليفزيون، و أخرج للمسرح و أخرجت له مسرحياته.. ربما لم ينل كل ما كان يريد.. و لكنه لم يحرم تماما...
ثمة تفسير منطقى واحد لهذه الأزمة, لا أجد غيره..
إنه الصراع فى نفسية الشاعر بين الواقع المرفوض.. و المثال المستحيل..
انه مأساة العقل, الذى يحفر كالمثقاب فى طبقات الزبف و الأكاذيب ليصل الى الحقيقة, و لكنه للأسف يواصل الحفر حتى يخرج الى الجانب الآخر, محدثا ثغرة فى السد تتسع مع الزمن لتندفع منها المياه المخزونه مدمرة كل شىء!...
الفنان شمعة تحترق.. لتضىء لنا الدرب الى الحقيقة, و الخير, و الجمال...
و نجيب سرور فنان لم يدخر ضوءه, فاحترق سريعا كشهاب مرق فى سمائنا, و لكنه ترك فى نفسى, و فى نفوس الكثيرين غيرى, أثرا ساطعا لا ينسى.. لأنه أثر الموهبة المبدعة...
الجمعة، 28 فبراير 2014
الثلاثاء، 18 فبراير 2014
Her Joaquin Phoenix, Scarlett Johansson
لسه متفرج دلوقتي على فيلم " Her " بتاع يواكيم فينكس و سكارليت جوهانسن
ابداع ملوش مثيل بجد , صوت سكارليت لوحده حرك جوايا مشاعر كتييير قوي
حبي ليكي النهاردة رغم كل الحاجات اللي مزعلاني منك ... بس حسيت بجد اني بحبك
مش عارف ليه و ازاي بس بحبك ... عارف انك جرحتيني ... بس دايما بلاقيلك عذر
احساسي بيكي ... دموعك ... بكاكي لي اعتذارك ... خوفك ... ندمك ... حاجات كتير
حتى صدقك اللي وجعني وجرحني ... بحبك عليه
بحبك و عاوزك تقربي علشان اكون انا سعيد
و عاوزك تفضلي بعيدة علشان تلاقي انتي سعادتك بنفسك
نفسي في يوم نجتمع و نتفرج على الفيلم دا مع بعض
علشان اقدر ساعتها اوصفلك كل لحظة و احساس حسيته اول مرة
الذكاء الصناعي ... المشاعر و الألم اللي بنحسه
التخبط بين المرغوب و المؤلم
حاجات كتيييرة يا ريتك كنتي جنبي دلوقتي
وحشتيني بجد
وحشتيني
الأحد، 16 فبراير 2014
افتقدك
يا انتي
- لا اجروء القول يا حبيبتي -
افتقدك جدا جدا
افتقد صوتك جدا
افتقد " غلاستك " جدا
افتقدك على فكرة
اللي أحسن من على سهوة
:(
السبت، 15 فبراير 2014
م الآخر| إلى عزيزي البعيد.. لا أبالي سارة عاشور
عزيزي البعيد:
انفصلنا
لم يتغير طعم القهوة
لم يتغير لون النهار
لم أكره الشتاء
لم أنفر من الشوارع التي مررنا بها
لم أكره اللون الأحمر
لم أكره سهر الليل، حتى ولو وحيدة
لم يتغير طعم الشيكولاتة
لم أكسر الكوب الذي أهديتك شبيهه
لم أنساك..
بل أتناسى
أشرب القهوة بالكوب الذي صار ملازمًا لي، ولا أبالي بأنني أنسج في خيالي الآن صورة يديك وبها الكوب وبها قهوتك، ثم وجهك وهو يحتسيه ويفكر بي ويضحك.
أمر من الشوارع التي سبق ومررنا بها، ولا أبالي بأنني في خيالي أرانا نمر وأرى ابتساماتنا وضحكاتنا ويدي وأنت تدفئها بجيب معطفك، ونظرات الحاسدين والمبتسمين من حولنا.
أعلن حبي للشتاء وللأمطار، وأتناسى حبك أنت أيضًا للشتاء وللأمطار، أقف تحت المطر وأعلن للعالم إنني متحررة من ذكراك، أخبئها داخل معطفي بحرص حتى لا يلمحها أحدهم فيصرخ للحضور أنني كاذبة.
بت أكذب بمهارة فائقة فلا يدري من يراني باللون الأحمر، أمنيتي أن أقفز الآن، بداخل النهر وأتوارى داخله فلا تلاحقني أعين ولا أسمع أصوات، وأبقى أنا وتجاهلي إياك بقاعه وحدنا.
أسهر ليلًا ولا أبالي بصوتك الذي يملئ رأسي وصوت ضحكاتك التي تتعالى حولي، أصم أذناي عن كلمة أحبك وأتجاهلك، وأسهر ليلًا وحيدة وأتجاهل وجودك بالعالم.
أتناساك ولا أبالي، وأتجاهلك وأعيش وأرتدي ابتسامة يُعجب بها الجميع، وأزين عيناي بكحل كثيف يداري آثار بكائي بالأمس وأنا أتجاهلك.
تتواجد بالعالم أنت الآن، بعالمك أنت ولا أحضر فيه أنا ولا يتقاطع عالمانا مرة أخرى، نسير بالكوكب منفردين أحدنا لا يملك الآخر، ونتجاهلها ولا نبالي بكل ما رميناها وكأنه لم يكن.
يدور الكوكب، ولا يبالي بكل الذكريات الموجودة في شقوق جوانبه، يُخفيها العشاق كما يُخفي الأطفال قطع الحلوى عن أعين أمهاتهم، وحين تلتفت عنهم يخرجون منها القليل ليأكلوه سريعًا، ويمسحون آثار وجوده من على أفواههم ثم يمضون يمرحون ولا يبالون.
هذا كوكب لا يبالي بكل من يسكنه.. ولذلك بت أشبهه ولا أبالي.
صح و غلط
نسيت أقولكوا يا مُرتبطين إرتباط عاطفي ,, خليكوا زي مانتوا ,, متدخلوش ف الرسميات
اه بجد
هتحنوا لأيامكم دي أوي
بتتكلموا ف التليفون بصعوبة ! ,, عادي
بتشوفوا بعض كُل فين وفين !! ,, مفيش مشاكل خالص على فكرة
هتموتوا ع الجواز ؟ موتوا يالا
العيب مش ف الحُب ولا ف الجواز
العيب ف الأهالي ,, العادات و التقاليد ,, الضغوط النفسية , المجتمع ,, الناس اللي مبيقدَروش الحُب ,, الشقة , العفش , النيش و الصيني , الستاير و النجف و السجاجيد , التبلوهات ,, مهمة جداً التبلوهات دي
ركزوا ف الكلام ده كويس ,, اقروه 6 مرات
قريتوه !!
بوسوا ايدكوا وِش و ضَهر و أقعدوا حبوا ف بعض بقى
يالا اتكلوا على الله
الأحد، 2 فبراير 2014
وصاياه
وصايا النبي (1)
( لاتجلس بين النيام ولا تنام بين الجالسين، ولاتضع يدك على خدك ولاتشبك أصابعك ، ولاتنهش الخبز مثل اللحم ، ولاتأكل الطين ، ولا تنظر إلى المرآه ليلا ، ولاتلبس القميص مقلوب ، ولاتنفخ في الطعام الحار ولافي قدح الماء ،ولاتنظر إلى مايخرج منك ،ولاتتثاوب إلا ويدك على فمك ،ولاتشم طعامك ، ولاتكبر لقمتك ،ولاتأكل في الظلمه )
وصايا النبي (2)
من صلى علي بعد غسل القدمين عند الوضوء عشر مرات فرج الله همه وغمه وإستجاب دعوته لا تلتهون بالدنيا كل شي ذاهب إلا العمل الصالح . الوصايا
(3)
عليك بقراءه سوره يس : ماقراءها جائع إلا يشبع ولاعطشان إلا روي ولاعريان إلاكساه الله ولاعازب إلاتزوج ولاخائف إلا أمنه الله ولامريض إلا بري ولامسجون إلاخلصه الله من سجنه ولا مسافر إلا أعانه الله على سفره نريد هذه الوصايا تلف على الناس كلها الليلة دعاء للتخفيف عن الذنوب: (اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطك) اللهم كمآآبكيتني يوم[ولادتي] وآلنآس حولي يضحكون آضحكني يوم[موتي]وآلنآس حولي يبكون دعاء يونس: (لاإله إلاأنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
walk the line tracks to listen to
walk the line
Track listing[edit]
"Get Rhythm" - Joaquin Phoenix – 2:26
"I Walk the Line" - Joaquin Phoenix – 3:20
"Wildwood Flower" - Reese Witherspoon – 2:31
"Lewis Boogie" - Waylon Payne – 2:01
"Ring of Fire" - Joaquin Phoenix – 3:42
"You're My Baby" - Johnathan Rice – 2:12
"Cry! Cry! Cry!" - Joaquin Phoenix – 2:35
"Folsom Prison Blues" - Joaquin Phoenix – 2:52
"That's All Right" - Tyler Hilton – 1:46
"Juke Box Blues" - Reese Witherspoon – 2:15
"It Ain't Me Babe" - Joaquin Phoenix/Reese Witherspoon – 3:05
"Home of the Blues" - Joaquin Phoenix – 2:40
"Milk Cow Blues" - Tyler Hilton – 2:19
"I'm a Long Way from Home" - Shooter Jennings – 2:15
"Cocaine Blues" - Joaquin Phoenix – 2:50
"Jackson" - Joaquin Phoenix/Reese Witherspoon – 2:49
Additional tracks[edit]
The film also featured a variety of country, rockabilly and traditional scoring. They were not featured on the soundtrack CD.
"Engine 143" - The Carter Family
"Highway 61 Revisited" - Bob Dylan
"Didn't It Rain" - Sister Rosetta Tharpe
"Dark Was the Night, Cold Was the Ground" - Blind Willie Johnson
"Volksmusik Medley" - Hans Glisha Orchestra
"I Was There When It Happened" - The Blackwood Brothers
"Try Me One Time" - Willie Nix
"Ain't That Right" - Eddie Snow
"Boogie Blues" - Earl Peterson
"I Miss You Already" - Faron Young
"Defrost Your Heart" - Charlie Feathers
"Feelin' Good" - Little Junior's Blue Flames
"Bop Bop Baby" - Wade and Dick
"Rock With My Baby" - Billy Riley
"Rock N' Roll Ruby" - Joaquin Phoenix
"Fujiyama Mama" - Wanda Jackson
"She Wears Red Feathers" - Guy Mitchell
"Easy Does It" - Lewis LaMedica
"Hey Porter" - Joaquin Phoenix
"Candy Man Blues" - Mississippi John Hurt
"I Got Stripes" - Joaquin Phoenix
"Light of the Night" - Werner Tautz
"You Get To Me" - Minnie and the Minuettes
"Time's a Wastin'" - Joaquin Phoenix and Reese Witherspoon
"Ring of Fire" - Reese Witherspoon
"Cartoon World"
"Ghost Town/Poem For Eva" - Bill Frisell
"In the Sweet By and By"
"Long Legged Guitar Pickin' Man" - Johnny Cash and June Carter
"Rainy Day Women #12 & 35" - Bob Dylan
2014 ... اختبار جديد
عاوز اتفرج علىأكبر عدد من افضل 500 فيلم في IMDB
و نقرا 25 رواية
و 5 كتب علمية في حاجة غير الطب - غير التخصص يعني -
وادخل امتحان او اتنين - الزمالة او المعادلة او الماستر -
و ازود الفلوس اللي محوشها 50 في المية - ابعت يا رب بالحلال -
اقابل واحد او اتنين من اللي باحبهم
اخلص الرسالة بتاعتي
دول اللي على بالي دلوقتي
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)